في المجتمعات المتخلفة إجتماعياً , والفقيرة إقتصادياً , والمستبد بها سياسياً , حتماً ولابد أن تكون تلك المجتمعات مريضة نفسياً , وحينما يستبد المرض النفسي ويصبح ظاهرة لها الشيوع والإنتشار في تلك المجتمعات المأزومة , مع إستمرارية مسلسل العجز والقصور عن إيجاد حل للمشاكل المحيطة بالمجتمع المريض نفسياً , فإن تلك المجتمعات تبحث عن حل آخر أرحب وأوسع ترتكن فيه إلي الحل الديني المتمثل في تثبيط الهمم وإضعاف المناعة الإجتماعية , وفي المقابل تقوية مزعومة للمناعة الدينية , ومن ثم يصبح جسد المجتمع رهين مرض الفساد والإستبداد , بسبب العديد من المقولات والنصوص الدينية التي يحتمي بها الضعفاء والمأزومين , أمام الآلة الجبارة المتمثلة في الفساد , والجالسة علي كراسي الإستبداد , ومن ثم يتم توظيف سدنة وخدام , وظيفتهم الأساسية هي تطويع النصوص الدينية , وجعلها في صورة من الصور المطاطة , والتي تستجيب لكافة المؤثرات الخارجية التي يراد بها تخدير المجتمعات بإسم الإرادة السماوية المقدسة , والتي تزامل إرادة الأنبياء والمرسلين , والتي يحتكرهما السدنة والخدام , ومن يحاول أن ينفلت عن جاذبية هذه التطويعات للنصوص الدينية الموظفة للتخديم علي غرض معادة العقل وتنافره مع النص الديني , والإبقاء علي أنظمة الفساد في مجتمع من المجتمعات , والتي يتم تأزيمها بخطاب مغيب للعقل بإسم الدين , ممثلاً في نصوصه المقدسة , تلك النصوص التي كان من الممكن والمتاح لها أن تنهض بالمجتمعات تجاه تحفيز الشعوب بالسير في طريق محاربة الخرافات , والهرطقات , والتي أصبحت يتم تفعيل وجودها في حياة الناس بإسم النصوص الدينية المقدسة ذاتها , علي سبيل تحقيق المصالح لنفر من المتعاملين مع النصوص المقدسة والزاعمين لذواتهم مهمة حماية النص , في حين أن وجودهم مرهون بالإنتزاع من جاذبية حماية النص لهم !! ومن ضمنيات الإشكاليات الخطيرة , أنه تم تربية المجتمعات علي أن الدين تسليم مطلق , بكل ماهو مسموع , أو منطوق , أو مقروء , سواء ماورد في الكتب السماوية المقدسة , أو ماورد من سنن للأنبياء والمرسلين , أو ماورد من تفسيرات وتأويلات محتكرة من جانب المتعاملين مع النصوص الدينية , فيمن تم الإتفاق دينياً , وإجتماعياً وحتي سياسياً , علي أنهم رجال الدين في غالبية الأحيان , أو التلطيف للتعامل مع الأمر بإعتبارهم علماء للدين , أو بالدين , وكأن هناك إتفاق في الوعي الجمعي علي المساواة بين النص المقدس ذاته , وبين تفسره أو تأويله من جانب من تعرض للتأويل , والتفسير , وهنا , وفي هذه المنطقة الخطيرة تنشأ الأزمات , وتتخلق الصراعات , بين من يريدوا التفرقة بين التفسير والتأويل للنص , وبين النص ذاته , من خلال إستعمالهم لألية العقل التي تفرق بين تفسير , وتفسير , أو تأويل , وتأويل آخر , وبين النص المقدس ذاته , من خلال الآلية الجبارة المسماة بالعقل , تلك الآلية التي لها إمكانات , وقدرات , متطورة حسب تطور الظرف الزمني , والتاريخي , لوقائع جغرافية متعددة , باحثة عن إمكانيات جديدة للنص , من خلال أدوار قد تكون بمكنة تفسير النص أو تأويله عقلانياً حتي يكون له المقدرة علي النهوض بالمجتمعات , أو إعادة بناء النص من جديد , ليس من ناحية الصياغة , ولكن من ناحية البناء الوظيفي , المصلحي , ذو الصبغة الدينية / الإجتماعية .
معاداة العقل : حينما يصبح العقل هو العدو , وتفسيرات , وتأويلات النص , هي الصديق , أقصد , من يتعرض للتأويل , أو التفسير , فهو في حقيقة الأمر من يصنع جاذبية النص , وهو الذي له حق التعامل معه ومصادقته , بل , وهو وحده من له الحق في إجراء الخصومة مع النص , حسبما يتراءي له بإمكانيات ثقافته الدينية , والبيئة التي تَنَشَأ فيها طفلاً , وصبياً , ومراهقاً , وشيخاً !! مثله في ذلك مثل المتعامل مع النصوص الأدبية , من شعر , ونثر , وقصة , ورواية , أو أي عمل فني أو أدبي آخر , يتم التعامل معه , ولكن الأمر يختلف مع النصوص المقدسة , بما لها من قداسة حتي في لفظة القداسة ذاتها ,يكمن الإحساس , والشعور بمفهوم المقدس , الذي قد يكون مرعباً في قراءة مفاهيم بعض التفسيرات , والتأويلات لمعني ومفهوم المقدس , بجانب أن النص المقدس له واجبية التسليم , ولايحتمل لدي رجال الدين , أو علماء الدين , مجالية المناقشة , والتحليل , بأي ناحية من النواحي العقلية , التي غالباً ما تتصادم مع النصوص الدينية المقدسة حسب المتوارث عليه علي مدار سنوات طويلة , من تصنع معاداة العقل للنقل , أو معادة المعقول للمنقول , لأن الأمر في النهاية يجب تنصيب وكالته , إلي أهل الرواية , وإقصاء أهل الدراية !! ومابين أهل الدراية , وأهل الرواية تنشأ كذلك الأزمات , فأهل الرواية يعبدون النص المقدس , وأهل الدراية يتعبدون به , والفرق شاسع بين من يعبد النص , وبين من يتعبد بالنص !! وتبقي دائرة العقل تضيق , ومساحته تتقلص , في أجواء مشحونة بحصار العقل , وتضييق مساحته , ليكون أصحاب المصالح لهم السيادة والريادة حسب تطويعهم لمفهوم النص , ويصبح العقل هو القائم بدور المجرم معتاد الإجرام في نظر عباد النص !! فمن صاحب المصلحة إذاً في معاداة العقل !!؟